بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
منذ اقدم العصور نالت أرض بلادنا فلسطين من المكانة ما لم يؤتى لغيرها من البلاد .
فهي أرض الرسالات التي اختارها الله عز وجل دون غيرها ليبعث عليها اغلب الرسل والأنبياء. وهي ارض المحشر آخر محطات البشر على وجه الأرض وكفاها شرفاً أنها استضافت اعظم رحلة في تاريخ البشرية (الإسراء والمعراج).
لكن الله عز وجل أراد أن يتوج هذا التكريم بذكرها وبالإشارة إليها في القرآن الكريم ليكون دليلاً دامغاً وشاهداً أبديا على عظمة هذه الأرض وعلو شأنها .
وفي هذا الموضوع سنذكر معظم المواضع التي أشير فيها إلى بلادنا العزيزة في القرآن الكريم .
الموضع الأول } سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير{ الإسراء.
اجمع المفسرون على أن المقصود بالمسجد الأقصى بيت المقدس وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حين إذن وراءه مسجد ولقد وصف الله تعالى المسجد الأقصى بقوله( الذي باركنا حوله)أي بالأنهار والثمار والأنبياء والصالحين فقد بارك الله سبحانه وتعالى حول المسجد الأقصى ببركاته في الدنيا والآخرة وعن ابن عباس أن الأرض التي بارك الله فيها حول المسجد الأقصى هي فلسطين والأردن وقال أبو قاسم السهيلي: قوله الذي باركنا حوله يعني الشام ومعناه في السريانية الطيب لطيبه وخصبه وقيل سمي الشام مباركاً لأنه مقر الأنبياء وقبلتهم ومهبط الملائكة والوحي وفيه يحشر الناس يوم القيامة.
الموضع الثاني } وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا{
ذكر الشوكاني في تفسير الآية أن المراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس.
الموضع الثالث } يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين { المائدة/21.
روي عن ابن عباس وابن زيد في المقصود بالأرض المقدسة أنها أرض أريحا وقال الزجاج أن الأرض المقدسة هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن وعن قتادة أنها الشام وروى ابن عساكر عن معاذ بن جبل أن الأرض المقدسة ما بين العريش إلى الفرات.
الموضع الرابع } واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون { الأعراف/137.
روي عن الحسن البصري وقتادة في تفسير (مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) أنها ارض الشام وذكر الشوكاني أن الأرض هي أرض مصر والشام ولكن ابن جرير الطبري استبعد كونها ارض مصر فقال(فإن ذلك بعيد عن مفهوم الخطاب مع خروجه عن أقوال أهل التأويل والعلماء بالتفسير وعن زيد بن أسلم قال هي قرى الشام وعن عبد الله بن شوذب: فلسطين وعن كعب الأحبار قال: ان الله بارك في الشام من الفرات إلى العريش.
والمراد بالمباركة في ارض الشام قال الشوكاني (والمباركة فيها إخراج الزرع والثمار فيها على أتم ما يكون وانفع ما ينفق ). وذكر ابن جرير الطبري أن المراد بذلك ( هو جعل الخير فيها ثابتاً دائما لأهلها).
الموضع الخامس } ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين{ الأنبياء/71
ذكر المفسرون أن الأرض هي ارض الشام وقيل بيت المقدس لأن منها بعث الله اكثر الأنبياء وعن ابن عباس في تفسير الآية: يريد نجيناإبراهيم ولوطاً إلى أرض الشام وكانا بالعراق.
الموضع السادس } ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين{ الانبياء /81.
روي عن ابن عساكر أن (الارض التي باركنا فيها ) أرض الشام ووافقه في ذلك الشوكاني وكذلك ذكر الطبري في تفسيره وقال ابن تيمية ( انها كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان).
الموضع السابع } ولقد كتبناه في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون{ الانبياء/105 .
عن ابن عباس أن المراد بالأرض المقدسة (أي ارض الشام وفلسطين ) ووافقه في ذلك الشوكاني وذكر مجيد الدين الحنبلي في أحد الأقوال (أنها الأرض المقدسة ترثها أمة محمد .
الموضع الثامن } وشجرة تخرج من طور سيناء { المؤمنون/20.
ذكر القرطبي أن طور سيناء من أرض الشام وقيل هو جبل فلسطين وقيل أنه بين مصر وايليا ومنه نودي موسى عليه السلام وذكر الشوكاني أنه جبل بيت المقدس.
الموضع التاسع } وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار معين{ المؤمنون /50.
أخرج ابن جرير عن مرة النهزي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الربوة الرملة) وعن ابن عساكر عن ابي هريرة أنها (أي الربوة) الرملة من فلسطين وقال قتادة وكعب أنها بيت المقدس وقال سدى أنها فلسطين وعن ابي العالية هي ايليا لأرض بيت المقدس.
الموضع العاشر } ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون{ يونس/93.
المراد هنا بالمبوأ هنا المنزل المحمود المختار وقيل هو أرض مصر وقيل الأردن وفلسطين وقيل الشام . وذكر محمد رشيد رضا في تفسير " مبوأ صدق" هو منزلهم (أي بني إسرائيل) من بلاد الشام الجنوبية المعروفة بفلسطين.
الموضع الحادي عشر } فحملته فانتبذت به مكانا قصياً{ مريم 22.
ذكر المفسرون في معنى الآية أن مريم تنحت بالحمل إلى مكان بعيد قال ابن عباس إلى أقصى الوادي وهو وادي بيت لحم بينه وبين ايليا أربعة أميال وايليا أحدأسماء بيت المقدس.
الموضع الثاني عشر } في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأوصال{ النور/36.
البيوت هي المساجد عند اكثر المفسرين وعن الحسن هو بيت المقدس يسرج فيه عشرة الاف قنديل وقال ابن زيد انها المساجد الاربعة الكعبة ومسجد قباء ومسجد المدينة وبيت المقدس.
الموضع الثالث عشر } واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب{ ق/41
روي عن ابن عباس في معنى قوله " من مكان قريب" أي من صخرة بيت المقدس وقال قتادة كنا نحدث أنه ينادى من صخرة بيت المقدس وقال الكلبي وكعب : وهي أقرب الارض الى السماء.
الموضع الرابع عشر } وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما أمنين{ سبأ/18
ذكر ابن كثير في تفسيره نقلا عن الحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم أن المقصود بالقرى يعني قرى الشام وكما نقل ايضا عن ابن عباس قوله القرى التي باركنا فيها بيت المقدس وقال ابن تميمة " هو ما كان بين اليمن – مساكن سبأ – وبين قرى الشام القرى المباركة من العمارة القديمة".
الموضع الخامس عشر } هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر{ الحشر/2.
المراد بأول الحشر أي جمعهم في الدنيا في بلاد الشام والمقصود بأهل الكتاب هنا بني النضير حينما أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وذكر عن الزهري أنه قال: " كان جلاؤهم أول الحشر في الدنيا الى بلاد الشام " وقال ابن زيد لأول الحشر الشام وروي كذلك عن قتادة وذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه قال من شك في أن ارض المحشر هنا يعني الشام – فليقرأ هذه الآية ثم ذكرها .
الموضع السادس عشر والسابع عشر } والتين والزيتون وطور سنين { التين/1-2 .
اختلف المفسرون في المقصود بالتين والزيتون هل هو ذات الثمرتين أو انهما إشارة الى شيء أخر وعلى الرأي الثاني اختلفوا ايضاً في تحديد المشار اليه فعن ابن زيد التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وعن ابن عباس التين مسجد نوح على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس . والقائلون بهذا القول ذهبوا اليه لان القسم بالمسجد موضع العبادة والطاعة فلما كانت هذه المساجد في هذه المواضع التي يكثر فيها التين والزيتون وذهب جماعة اخرى من المفسرين أن المقصود بالتين والزيتون المدنالتي تكثر زراعتها فيها فعن كعب أن التين دمشق والزيتون بيت المقدس وعن شهر بن جوشب التي الكوفة والزيتون الشام .
وذكر الشوكاني في سبب القسم " وطور سنين" أنما اقسم الله بهذا الجبل لأنه بالشام وهي الأرض المقدسة كما في قوله " الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله" وأعظم بركه حلت به ووقعت عليه تكليم الله لموسى عليه.
الموضع الثامن عشر }وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين{ البقرة/58
اختلف العلماء في تعيين القرية فقال الجمهور هي بيت المقدس وقيل اريحا من بيت المقدس وقال ابن كيسان انها الشام . وذكر الضحاك انها الرملة والاردن وفلسطين وتدمر وعن ابن عباس أن الباب المذكور في الآية يدعى باب الحطة من بيت المقدس.
الموضع التاسع عشر } فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر { البقرة /249
ذكر قتادة في المراد بالنهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر بين الاردن وفلسطين وذكر الشوكاني عن ابن عباس انه نهر الاردن وعن ابن عباس ايضاً انه نهر فلسطين .
الموضع العشرون }أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عرشها { البقرة /259
ذكر القرطبي أن القرية المذكورة هي بيت المقدس في قول وهب بن منبه ةقتادة وغيرهم والذي أخلى بيت المقدس حينئذ بخنصر وكان والياً على العراق وكذلك وافقه الشوكاني وجمهور المفسرين.
الموضع الحادي والعشرون } حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون { النمل /18
ذكر فخر الدين الرازي أن وادي النمل واد بالشام كثير النمل ويقع هذا الوادي بجوار عسقلان .
ومن الملاحظ في هذا الموضوع أن هناك أكثر من موضوع أشير فيه الى بلادنا في خلال فترة صغيرة جداً من تاؤيخ فلسطين ما بين خروج بني اسرائيل من مصر مع سيدنا موسى ودخولهم ارضنا وحيى زوال ملكهم بعد تخريب بخنصر لبيت المقدس . والسبب في تركيز القرآن على هذه الفترة بالذات هو كثرة الانبياء والرسل الذين بعثوا خلالها فأراد الله عز وجل ان يقص غلى رسوله الكريم سير هؤلاء الانبياء وكذلك ليضرب الله للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين المثال لما كانت تقوم به بني إسرائيل من تكذيب لرسلهم وقتلهم إياهم حتى يصبر الرسول على إيذاء الكفار .
وأرجوا في نهاية هذا الموضوع ان يكون كل من قرأ ه قد أدرك عظمة هذه الارض ومقدار شأنها.
محمد رفيق ابو شرخ
المراجع:
1- فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني – دار الفكر للطباعة والنشر
2- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ط م المحتسب عمان 1973 تأليف قاضي القضاة مجيد الدين الحنبلي.
3- جامع البيان للطبري دار المعرفة بيروت 1980.
4- تفسير المنار – محمد رشيد رضا .
5- تفسيؤ ابن كثير دار المعرفة بيروت.
6- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي دار الكتب العلمية بيروت 1988.
7- التفسير الكبير لفخر الدين الرازي دار الكتب العلمية